بسم الله الرحمن الرحيم [size=24]
إلى التي علمتني أن أكون إنسانا ..إلى التي غرست فيّ قيم النبل والحبّ والخير..
إلى :....أمي...
......................ـــــــــــــ()()()()()()ـــ ــــــــــ......................
نظرت إلى وليدها وهو ممدد على الطاولة كتلة هامدة مضرّجةبالدماء نظرة عميقة, وغريب أنها لم تذرف دمعة بل ظلت واجمة, وكأنّ المشهد قد بلغ منالقدسية ما جعلها تقف أمامه واجمة.. لاحركة .. ولا شعور... غير السكون والصمت!!
طلب إليها الطبيب أن تساعده فيتجريد الفتى الفاقد الوعي مما تبقّى من أسمال تجمع بقايا جسمه الممزق ...
فما استجابت لطلبه... أهالهموقفهــا... ولم يبق أمامه سوى أن عمد إلى طلب المساعدة من إحدى الممرضات.
ظلت تنظر وتنظر مشلولةالحركة,غائبة عن الوجود, وكأن المأساة التي وقعت لصغيرها أخذت من عقلها ومشاعرها ماتدرك به هول الفاجعة.... اضطرمت في روحها نارٌ وقودُها الضميرُالذي ما فتىء يعذّبها.. كلّما تذكرت تقصيرها وإهمالها لهذا الطفل الذي حكم عليه أنيضيع بين أب سكِّير عربيد وأم أباحت لها أنانيتها أن الاقتصاص من هذا الزوج لن يكونإلاّ في ولده!! فجأة تتحرّر من هول الصدمة لتنفجرباكية بكاء حارًّا لم تعهد نفسها بكته!! ولم تشعر بنفسها إلاّ وهي تلقي بجسمها علىكتف الممرضة التي اقتادتها وأسندتها إلى مقعد خشبي في الغرفة المجاورة.
لقد اسيقظت فيها مشاعر الأمومةالجارفة, التي كانت تحاول جاهدة إخفاءها لينعم بها هذا الصغير إمعانًا في معاقبةالزوج الغائب!!
راحت تلوم نفسها, وتؤنبها في غيرتردّدٍ..
: كيف سمحت لقلبها أن يتجرّد مننبل مشاعر الأمومة؟! وكيف هو هذا القلب الذي يسمح بتغييب هكذا مشاعر؟!!
ـ ربّاه!! إني أتوسل إليك بملكوتكوعظمة خلقك أن تنجي هذا الطفل المسكين!
ـ يا إلاهي رحماك بامٍّ لم يعد لهافي هذا الوجود غير هذا الابن!! رحماك!! رحماك!!
دموعها الحارّة تلسع خدّيها فتثيرنارًا يكتوي بها قلبها الجريح. هذا القلب الذي لم يتسع لمشاعرها المختلفة الثائرة: تأنيب الضمير, والحزن واليأس, انتهاءً بالتضرع والتذلل لخالقها , علّه يمنحهاالفرصة لتصحّح خطأهــا!! وأي خطإ هذا الذي لن تغتفره لنفسهــا.. كيف طاوعتها نفسهاأن تغيّب أمومتها؟ وكيف لها أن تمحو من قلب وليدها ما زرعته في قلبه الصغير منمشاعر الظلم والقهر والإهمال؟؟
ـ يا إلاهي ماذا سيحدثإذا...........؟؟ سحبت الفكرة من ذهنها, لأن قشعريرة هزّت جسمها لمجرّد أنها فكرتفي وفـ ـــ ــاة هذا الطفل. ولم تشأ أن تستغرق في تفكيرها ...
كانت تنظر إلى السماء من نافذةالغرفة.. وكأنها تبحث بين غيومها المتناثرة عن الخلاص مما هي فيه!!
ـ إنّها تجهد نفسها في استراقالسمع .لتستشف ما يجري في الغرفة المقابلة, حيث الطبيب يسعى لإعادة وليدهــا الىالحياة..لكن ما كان يصلها من أصوات لم يكن ليعيد الطمأنينة إلى هذا القلب الجريح.. وكأنّه كتب عليها أن تبقى يائسة بائسة... فالحياة لم تكن رحيمة بها, وكأنهاتجافيهـــا, إذ أنها ما فتحت عينيها في هذا الوجود حتى سلب الموت منها قلبين كانايحنوان عليها... فظلت تتجرع البؤس وتتمرغ في وحل الشقاء..
وما كان زوجهـــا من هذا السكيرغير بداية لمأساة كانت أفدح وأشد!!
وقع خطوات متتالية , وطقطقات حذاءالممرضة يعيدانها إلى آخر حلقات مآسيهـــا... انطلقت مذعورة.. علق الكرسي بثوبهاوكأنه أراد أن يمنعهـــا!!
ـ ماذا ياطبيب؟
ـ أرجوك ماذا حدث لابني؟
انطلقت بسرعة مجنونة إلى الغرفةحيث ولدها.. فما أبصرت غير جسم ساكن قد أسدلت عليه قطعة قماش بيضـــاء..
حينها أدركت أن الحياة كانت سخيةحين أعطتها قلبًا .. لكنه لم يكن غيرَ قلب ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍمن اسفنج...